دواوين الأدباء

قصائد شعراء الجوف





يعد ديوان (شعراء من الجوف) لمؤلفه الشاعر خالد بن عقلا بن حميد الضويحي الخالدي أحد كبار شعراء منطقة الجوف من أهم المراجع لأشهر شعراء الجوف وسيرهم وأشعارهم.
صدر ديوان (شعراء من الجوف) عام 1426هـ في 455 صفحة ضم بين طياته مقدمة المؤلف التي أشار فيها أولاً إلى أهمية الشعر ودوره في المجتمعات العربية حيث قال : «كان الشعر ، ولا يزال ، هو ديوان العرب – كما يقال – رغم ظهور أشكال جديدة من الإبداع الأدبي والفني عموماً. ومنطقة الجوف، مثل مناطق كثيرة أخرى في المملكة العربية السعودية، عامرة بمجالس الشعر والشعراء، وأهلها مولعون بقرض الشعر وبروايته وتناقله».
ثم أشار إلى دور الشعر في توثيق الأحداث التاريخية لمنطقة الجوف: «والواقع أن الشعر لعب دورا أساسيا في توثيق الكثير من الحوادث التاريخية في المنطقة قبل انتشار التعليم عندما كان هناك قصور في التوثيق المكتوب وكان الأدب الشفاهي والأمثال والحكايات الشعبية هو السائد.
وبطبيعة الحال، فإن الشعر النبطي (أو الشعبي) كان هو الأقرب إلى قلوب الناس وذلك من منظور تاريخي إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن التعليم المنهجي لم يكن شائعا في هذه المنطقة أو في غيرها من مناطق المملكة إلا في العقود الستة أو السبعة الأخيرة.. ولهذا فإن الشعر الشعبي كان تصويره تلقائيا وأمينا لمشاعر الناس باللغة التي يفهمها الجميع. بل إن هذا الواقع التاريخي ربما كان هو السبب الرئيسي في تميز الشعراء حسب مواهبهم الشخصية الإبداعية، فالقاموس اللغوي متاح للجميع، واللغة التي يقولون بها الشعر هي اللهجة المحكية من الجميع .. ولذا صار التميز متمثلا في ما يملكه الشاعر من قوة الخيال والبراعة في التصوير وانتقاء اللفظة المعبرة والموحية.. ومن ثم فقد برز شعراء متميزون في حين ظل قرض الشعر هواية يمارسها كثيرون وربما الجميع بشكل أو بآخر!، لكن اللافت للنظر هو أنه رغم انتشار التعليم في العقود الأخيرة ، ورغم بروز الاهتمام بالشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى، فإن ولع الناس بالشعر الشعبي ظل مستمراً، وهو أمر يدل على أن هذا النوع من الشعر لا يزال يؤدي دوراً مطلوب منه.. وربما يكون سبب ذلك هو أن هذا الشعر يتميز بالصدق الفني والبعد عن التكلف والزخرفة اللغوية المستمدة من خارج القاموس الذي يفهمه ويتفاعل معه الإنسان العادي».
كما تحدث في المقدمة عن سبب جمع مادة هذا الديوان : «وفي ظل هذا الواقع ظلت رغبة شديدة تلح علي منذ سنوات طويلة لجمع بعض أشعار أهل منطقة الجوف، وتقديمها إلى القراء في كتاب، لكنني ظللت طيلة السنوات الماضية مترددا في تنفيذ هذا المشروع رغم اهتمامي بجمع مادته وتراكم عدد كبير من القصائد لدي. ولم تكن مشاغل الحياة وحدها هي العائق الذي منعني من تنفيذ هذا المشروع وإنما كانت هناك أسباب أخرى أهمها منهجية الاختيار التي يتعين على اتباعها في ظل تغير الواقع الاجتماعي والثقافي واختلاف المعايير والظروف والمعطيات ، رغم أن بعض القصائد – من المنظور الفني البحت – هي مما يمكن الاتفاق على جودته وعلى عمق وغزارة موهبة قائليها. وعلى سبيل المثال، فإن الكثير من القصائد القديمة قد داخلها بعض التحريف، وبعضها تداخل مع قصائد أخرى، بينما تم نسبة البعض الآخر منها إلى أشخاص غير الذين قالوها.. كما أن بعضها قد لا يخلو من نعرات تجاوزها الواقع الحاضر! وحتى القاموس اللغوي المستخدم في بعض القصائد يلاحظ أنه يحتوي أحيانا على عبارات لم تعد مقبولة من منظور اجتماعي معين. وقد يرى البعض أن هذه الملابسات ربما تبدو مغرية للغوص في تحليلها من منظور النقد الأدبي أو حتى من منظور القراءة التاريخية الفاحصة.. وقد يكون هذا صحيحا إلى حد ما، لكن هذا الكتاب ربما ليس هو المكان المناسب لمناقشتها، كما أن التوقيت نفسه قد لا يكون مناسباً. بالإضافة إلى ذلك ، فإن العديد من الأصدقاء والأخوة الذي يحسنون بي الظن يطلبون مني بين الحين والآخر أن أنشر أشعاري الخاصة التي فضلت دائماً الاحتفاظ بها لنفسي أو ما يردده الناس منها في بعض المناسبات، وقد أحجمت عن نشرها طيلة الفترة الماضية لأسباب عديدة، منها أن الشعر الشعبي كثيراً ما يتعرض للتشويه عند الطباعة والنشر، لأنه أدب محكي أكثر ما هو مكتوب.. كما أن الساحة أصبحت مكتظة جداً بمن ينتسب إلى هذا النوع من الأدب الشعبي بغض النظر عن مستوى عطاءاتهم.. ولهذا لم أجد حافزا للنشر.»
كما تحدث عن طريقته في جمع مادة الديوان حيث قال: « لقد سعيت أثناء تحضير وإعداد مادة هذا الكتاب إلى توسيع دائرة الشعراء المشمولين فيه وأن لا أستثني أيا من الشعراء البارزين والمعروفين من الذين انتقلوا إلى رحمة الله وتوقف عطاؤهم، لكنني اصطدمت ببعض العقبات، ومن أهمها أن بعض هؤلاء الشعراء كانوا – في حياتهم – لا يرغبون في تسجيل أو كتابة أشعارهم وذلك لأسباب تخصهم أو أنهم لم يحرصوا على توثيقها بشكل متكامل فضاعت أو تداخلت مع أشعار أخرى، أو حتى تم انتحالها من قبل أشخاص آخرين .. وقد حاولت أن أحصل على إنتاجهم الشعري من أبنائهم، فكان البعض متعاوناً لكن البعض الآخر لم يتعاون أو أفاد بأنه لا يحتفظ بهذه الأشعار.. ومع ذلك فقد حرصت على رصد بعض المقتطفات التي كنت أحتفظ بها في أرشيفي الخاص لعدد من هؤلاء الشعراء وإيرادها في قسم خاص من هذا الكتاب وذلك سعيا إلى تقديم صورة أقرب إلى الشمولية بقدر الإمكان».
وفي آخر مقدمته تطرق إلى بعض الجوانب والخصائص التي وسمت أبيات الشعراء، والتي تتحدث عن طبائع وعادات أهالي منطقة الجوف: «سوف يلاحظ القارئ، بالطبع، أن القصائد التي يحتوي عليها هذا الكتاب
تعكس الخصائص الطبيعية والسكانية والثقافية للمنطقة.. فمنطقة الجوف تقع شمالي الجزيرة العربية في ملتقى سكك القوافل التجارية التي تربط الجزيرة بالمناطق المتاخمة لها من الشمال.. وقد لعبت دوراً كبيراً في هذا المجال منذ فجر التاريخ، وذلك ما تثبته النقوش والأحافير والآثار والنصوص الموجودة في المنطقة وخارجها.. كما أن المنطقة اشتهرت بمياهها العذبة وتربتها الخصبة وإنتاجها الزراعي المتنوع وخصوصا التمور وفي مقدمتها «حلوة الجوف» المشهورة.. وتعتبر المنطقة نقطة التقاء بين مزيج من سكان الحاضرة والبوادي.. كما أن موقعها المميز جعلها ساحة للكثير من الحروب والنزاعات منذ تاريخ مبكر من الحضارة الإنسانية . وقد اشتهر سكان المنطقة بالكرم والشهامة والأنفة .. وتسجل أشعارهم كثيرا من هذه الخصائص التي وردت أيضاً في قصائد شعراء من خارج المنطقة ممن مروا بالمنطقة في قوافل التجار والمسافرين وكذلك وردت في كتب الرحالة الأجانب الذين زاروا المنطقة في أوقات وحقب مختلفة».
وقد قسم الشاعر خالد الحميد الديوان إلى عدة أبواب، الباب الأول تحدث فيه عن الجوف شعراً ونثراً، حيث أشار إلى موقع الجوف ومكانته وحدوده ومسماه، ثم بعد ذلك ذكر أهم مدن منطقة الجوف وخصائص كل مدينة، ثم تطرق إلى الزراعة وأهم الآثار هناك مدعما ذلك بالصور.
وفي القسم التالي في الديوان أورد بعض القصائد والمقولات التي قيلت في الجوف من بعض الأعلام كالأمير عبد الرحمن السديري والباحث فهد المارك، والمستشرق جورج أوغست والن وجيفورد بلغريف، وبعض القصائد التي قيلت في الجوف لعدد من الشعراء.
أما القسم التالي فقد أورد المؤلف العديد من قصائده ومساجلاته الشعرية مع شعراء آخرين، ومن ذلك :
مساجلته مع الشاعر إبراهيم بن سعد العريفي الخالدي، ومساجلة المؤلف مع الشاعر محمد بن سليمان العويضة، ومساجلة المؤلف مع الشاعر محمد العطا، ثم أورد بعض القصائد التي قالها في الملوك والأمراء، ثم أورد قصائده الغزلية، وبعض قصائده التي قالها في مناسبات مختلفة، وبعض القصائد مع الأبناء، ومع الأصدقاء، ثم أورد بعض قصائده التي ارتجلها في العرضات، وقصائده في النوادي الرياضية، وبعض القصائد من وحي المستشفى، ومن ثم قصائد المراثي ، ثم قصائد الاعتزاز بالوطن، وأخيراً أورد قصائده في الحدا. ومن قصائد الغزل التي أوردها المؤلف له في الديوان:
ألا واعذابي منك يابو عيون سود
ألا يا صخيف الوسط يا زاهي الغره
يكفي دلع لا تذبحن يا نعيم العود
صوابك لجأ باقصى الحشاء كايد حره
ترى الحكم يا زين التواصيف لابن سعود
ترفق على اللي زايد الصبر ماسره
على ما يقال الصبر له يا حبيب حدود
وانا حبكم ما اثمر ولا إكفيت من شره
سهرت الليالي يوم كل العباد رقود
امشيح وراكم دوم واركض وراء الجره
دخيلك ترى ما انتب على هالدلع محدود
تحدى المحبين النحر ليه ما تزره
كفى منك هجر اغليك وتعاملن بصدود
ابا الوصل منك ولا حصل منك لو مره

وقال :
واعذاب المولع من صروف الزماني
راعي الولف مثلي يالله انك تعينه
كنت مرتاح لكن بالمحبه بلاني
ليتني ما نظرته في عباة المرينه
ليتني ما هويت ولا بعد هو هواني
يوم عهد الهوى واليوم ويني ووينه
صاحب بي يهلي كل ما جيت عاني
بادرن بالسلام وصافحن في يمينه
فرقتنا الليال وراح عذب المجاني
كم تغر الليالي من خدين وخدينه
انتحى الترف علمي به بشهرارمضاني
بعدها ما نظر عيني ولا شفت عينه
كل ما قلت اريد انساه قلبي عصاني
قال ما ابغي بداله من بنات المدينه
كيف ابا انسى غرام الصاحب المعشر اني
والله اني فلا انسى الزين لو طال حينه

وفي القسم التالي من الديوان أورد المؤلف قصائد مختارة لشعراء الجوف، ومن هؤلاء الشعراء :
الأمير عبد الرحمن السديري ، ابراهيم بن سعد العريفي الخالدي ، دابس بن مرخان السميحان، سهو بن مطير العجاج الشمري ، عيد بن نعيم السهو ، خالد بن حسن المسعر البليهد ، عبد الهادي بن مريزيق النصيري ، عيد بن عقلا الخمعلي العنزي ، جزع بن جزاع البديوي الشمري ، محمد بن عطا التيماني ، الشاعر عبيد الله بن سليم القنيفد ، خلف عيسى الخلف الشاعل ، محمد بن طراد المعيقل ، غالب بن حطاب الراح ، الشاعر مفضي العطية ، شهاب الجنيدي ، الشاعر عبد المصلح بن جزاع البديوي .
ثم بعد ذلك أورد عدة قصائد لشعراء مقلين في شعرهم .
ومن قصائد الشاعر الأمير عبد الرحمن السديري قوله :
هيه ياللي نويتوا على المطراش
خبروني عن الدرب وادله
جسمي اللي على شوفكم معتاش
آن رحلتوا تبين على خله
ارحموني ترى العمر راح إبلاش
واسمحوا لي خطا القول والزله
عندكم كن لي بالنعيم افراش
وبعدكم صالي النار والمله
خبروني عن الدار يا هتاش
وارفعوا لي صدى صوتكم كله
جعل وبل الحيا لا نشا واهتاش
يسقي من بيط لمظله
سيل الأرض واخطر على الادباش
اول الوسم وأتلاه يتله
شمخ المزن ينثر عليه ارشاش
كلما قفى ثراه المطر عله
اخضر الروض والحزم كلش عاش
والزبيدي تبين على حله
ربعت واخصبت والجلوب تحاش
كل حي بغى حي يفطن له
دارنا حبها من صميم الجاش
من نساها عسى النار مثوله
وأورد هذه القصيدة للشاعر عيد الخمعلي :
يا حمامات ورق عارضني
حسبي الله على ذاك الحمام
في محل خلاوي صادفني
ماحصل منهن رد السلام
يحسبني غشيم ويحسبني
ماعرفت الخوال من العمام
ما درن اني درست ودرسني
لين اخذت الشهاده بالتمام
قلت يا معشر البيض ارحمني
هرج والهرج ما يكتب حرام
ليتهن عن طريقي جنبتي
ذكرني قليلات الرحام
ذكرني ليال فارقني
باول العمر راحت كالحلام
ياليال الطرب هيا ارجعني
ياليال الوناسه والغرام
والحقيقة أن هذا الديوان من المراجع المهمة لشعراء الجوف الشعبيين بعد أن توفي العديد منهم ولم يبق إلا أثرهم الشعري .
الجدير ذكره أن الشاعر الكبير خالد بن عقلا الحميد انتقل إلى رحمة الله في مدينة سكاكا الجوف يوم السبت 3 ذي القعدة 1440 الموافق 6 يوليو 2019، عن عمر ناهز التسعين عام بعد أن ترك هذه الدرة والمرجع الشعري لشعراء الجوف . رحم الله المؤلف وأسكنه فسيح جناته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى